أخذ هاتف زوجته المشابه لهاتفه دون قصد، فلما فتح الهاتف رأى رسائل عديدة تنتظره في الواتس. فتحها، فوجد أن هناك رقمًا أرسل رسالة قائلًا فيها: الحمد لله أنك فتحت اليوم، أين أنت هذه الأيام؟ حبيبتي الغالية روا.
إني منتظرك كل يوم على الساحل. قلب في الهاتف، فعرف أن الهاتف ليس له، إنما هو هاتف زوجته. أخذ الرقم، ثم اتصل به على الفور ليتأكد من المتصل.
فإذا بالرجل يقول: حبيبتي روا، أين أنت؟ لماذا لم ألقك هذه الأيام؟ عرف الزوج أن المتصل رجل عاشق لزوجته. قلب رسائله على الواتس، فرأى رسائل غرامية كثيرة. وهناك أدرك أن زوجته تخونه مع رجل آخر.
أعاد الهاتف إلى مكانه قبل أن تشعر زوجته بما صنع. وفي اليوم التالي، اتصل بصديق له ليخبره. لا بد من عودتك إلى عملك، فلا داعي للتأخير، وإلا ستستبدل الشركة عاملًا غيرك.
وفي اليوم الثالث، اتصل صديقه بعد صلاة العشاء. وكان رشاد جالسًا مع روا، فأخبره صديقه الخبر كما اتفقا. أوهم رشاد زوجته أنه على استعداد للرحيل، فقد دعاه أمر طارئ قبل أن تستدعي الشركة عاملًا آخر.
صافحته روا قائلة: في رعاية الله أيها الحبيب، وتظاهرت بالبكاء والحزن عليه. أخذ رشاد حقيبته وركب السيارة متظاهرًا بالسفر، لكنه في الحقيقة عاد مساءً واستأجر غرفة في فندق مجاور لمنزله. كانت الغرفة تطل على منزله، فمكث فيها شهرًا كاملًا يترصد روا في كل حركة تقوم بها.
كان يلاحقها في النهار، يرى كيف تذهب إلى الساحل مع صديقها، فإذا جاء المساء حضر عاشقها إلى منزله بسيارته فيأخذها إلى المرقص. حينها فهم رشاد لماذا طلبت منه زوجته منزلًا مستقلًا بها، وعرف لمن كانت تلك الكلمة التي ما زالت تدوي في أذنه. وبعد شهر عاد إلى منزله، وفي اليوم التالي...
في اليوم التالي طلب من روى أن تذهب معه إلى منزل والدها، قائلاً اشتقت إلى عمي ولابد من زيارته، وعند المساء سألها، وهل تزورين أباك؟ التفتت إليه قائلة، لا إنها فرصة يا حبيبي، اتخذها رشاد فرصة فقال، إذن امكثي هناك حتى آتي إليك بعد أسبوع، وافقت روى على مضض، وهناك أرسل لها ورقة طلاقها، غضب والدها غضبا شديدا، فقد كان يعز رشادا كثيرا، فسألها بغضب، لماذا؟ مالذي حدث؟ أجابت، لا علم لي بالأمر، حاول والدها مرارا معرفة السبب، لكن بلا فائدة، سارع إلى رشاد قائلا، أنت تعلم يا بني أنني رفضت كل من تقدم لخطبتها، وقبلت بك أنت حبا فيك، لكنك جازيتني بما صنعت، حاول رشاد أن يتجنب ذكر السبب، فلا يريد جرح مشاعر عمه، لكنه ألح عليه ليخبره، حينها أجلسه رشاد، وأخبره بكل ما جرى من روى، غادر العم متأسفا لما حدث من ابنته، ولم يمر أسبوع حتى اتصل برشاد قائلا، عليك أن تنتظرني في بيتك الساعة العاشرة صباحا، سأله رشاد، ولما؟ لكن عمه لم يجب، بل اكتفى بطلب الانتظار، وفي تمام الساعة العاشرة جاء بسيارته، وفي داخلها فتاة جميلة، ظن رشاد في البداية أنها روى، لكن عند نزول عمه من السيارة، اتصل بأحد أئمة المساجد، فلما حضر الإمام قال العم، تقدم يا رشاد، حتى أعقد لك على سلوى، جزاء لما صنعت، فأنت رجل لا يمكن مجازاتك.
وقف رشاد مذهولًا لا يصدق ما يسمعه. سلوى؟ ابنة عمه الثانية، تلك التي لم يرَ منها إلا الاحترام والحياء! التفت إليها، فبادلته ابتسامة خجولة تحمل في طياتها كل معاني القبول والرضا. تقدم بخطوات ثابتة، وارتعاش خفيف يسري في قلبه، وقال: "إن كنتِ تقبلين بي زوجًا بعد كل ما مررت به، فإني أعدك أن أصونك ما حييت."
نظرت إليه سلوى بعينين دامعتين وقالت: "أعرف عنك كل شيء يا رشاد، وأعرف ما تحملت من أجل كرامتك، ومن أجل أن لا تفضح أحدًا، حتى من خانك."
عُقد القران في جوٍّ هادئ، بحضور والدها وعدد من المقربين. وبعد أيام، انتقل رشاد وسلوى إلى بيت جديد، فيه دفء البداية، ونظافة القلوب.
أما روا، فقد غرقت في ندمها، لا من أجل رشاد فقط، بل لأنها أدركت أن من باعت من أجله، لم يكن سوى عابر رغبة، ما لبث أن اختفى عندما علم بطلاقها. وذات يوم، رأت صورة لرشاد وسلوى في إحدى المناسبات العائلية. كان يبدو سعيدًا بحق، وتلك السعادة كانت كفيلة بأن تذكرها كل يوم بثمن خيانتها.
مرت السنوات، وأنجب رشاد وسلوى طفلين، عمر وليلى، كانا زينة حياتهما، وعلّماهما أن النهايات السعيدة لا تُولد من الانتقام، بل من الصبر، والكرامة، والحب الصادق.
وهكذا، انتهت حكاية رشاد لا بصرخة غضب، ولا بانهيار، بل بصمتٍ كريم، وقلبٍ لم ينسَ أن يكون نبيلاً... حتى في الوجع.